نسيمات ...المطر
كان رذاذ المطر يتساقط خفيفا ، بعدما أطفأت مصباح غرفتي ، وأردت الإخلاد إلى النوم وكانت تهبُّ من حين لآخر نسمات خفيفة تنقل بكفها قطرات المطر لتنقر بها زجاج نافذتي. وعبر فوهة الباب تتسلل إلى أعماق غرفتي الصغيرة نسمات ترفض كل الممنوعات وتلحُّ في شقّ طريقها إلى وجهي الذي بقي مكشوفا دون سائر أعضاء جسمي .
وعلى قدر لفحات تلك النسمات التي تخدش أحيانا وجنتيَّ وأنفي ، على قدر عظيم سعادتي بها وهي تـنفذ إلى وجهي في محاولة منها التوغل إلى كامل جسمي تحت الغطاء . وكان بعضها ينجح في ذلك فيكسب جسمي قشعريرة تجعله ينكمش دون سابق إنذار.
لقد تمكنت هذه النسمات العنيدة من أن تجعل النوم يغادر أجفاني ، وكأني بها تطارده بين جنبات حجرتي الصغيرة وتدعوه إلى الرحيل .
فقمت من سريري صوب الباب وخرجت من الغرفة لأعيش لحظات ذلك الجو البديع
وما إن وقفت حتى راحت نسيمات الهواء تعانقني بشدة ، وتلفّ كامل جسمي لتصبَّ
جام ّ شوقها بين أضلعي وعظامي .
وراحت قطرات المطر هي الأخرى تشاركها في هذا الغزل الحميمي ، تلفح وجهي ورأسي وكامل أطرافي ، وكأنّ كل قطرة منها لا يحلو لها إلاّ أن تحط رحالها فوق جسدي ، وتحمل إليَّ حنين صويحباتها التي تساقطت هناك بمنأى عني .
لقد أطربني هذا الجو الشـاعري ففتحتُ يديّ وصوبتُ وجهي نحو السماء اسـتقبل المزيد ممّـا جاد به الله علينا من نعماء المطر في تلك الليلة الحالمة ، وأنا أدعو كل طرف من جسدي أن يرتوي من هذا الماء الطاهر.