المربع الذهبي.. حل للخلافات الزوجية
* د. سمير يونس
ما المقصود بـ"المربع الذهبي"؟!!
كثير من المتحدّثين في شأن السعادة الزوجية يسرفون في إعلاء العاطفة والجنس، ويصورون العلاقة الزوجية على أنّها تقوم فقط على العاطفة والجنس، فإن كانت العاطفة متقدة، والجنس مُشْبعاً، فهذا يعني أنّ السعادة الزوجية وفيرة، تُظلل البيت وتملؤه.
وبرغم انتشار هذا الاتجاه في وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة.. فإنّ البيوت لا تزال بينها وبين السعادة خصومة ونفور!!
لا أقصد بكلامي هذا أن أقلل من تأثير العاطفة والجنس في تحقيق السعادة بين الزوجين، ولكن ما أقصده أنّ العاطفة والجنس لا يمكن أن يحققا وحدهما السعادة الزوجية، وأراهما زاويتين في المربع تحتاجان لزاويتين أخريين كي تكتمل زوايا المربع، فما الزاويتان الأخريان المتممتان لزايا المربع؟
إنّهما العقل والنجاح، فمربع السعادة الزوجية الذي به نحل خلافاتنا الزوجية يتكون من أربع زوايا أساسية، هي: العقل، والعاطفة، والجنس، والنجاح في الحياة.
وبناء على ذلك.. فإن أي اضطراب في جانب من هذه الجوانب لاشكّ أنّه سيؤثِّر سلباً على الجوانب الأخرى، وسيحدث خللاً في العلاقة الزوجية.
1- العقل وحل الخلافات الزوجية:
فالعقل يوقظنا من الإسراف في أحلامنا، ذلك أنّ الشريكين يحلم كل منهما أحلاماً وردية قبيل الزواج وفي بدايته، ثمّ يفاجأ كل منهما بالواقع، فغالباً ما يكتشف كل منهما الآخر ويفاجأ بالعيوب والسلبيات التي لم تظهر له قبل ذلك، ومن ثمّ فشيء من التعقل واستشراف الواقع قبل الزواج، والتنبؤ بالسلبيات وتوقعها، يجعل كلاً من الشريكين مستعداً لتقبل عيوب الآخر، كما يجعله أكثر تكيّفاً من الواقع.
كما أنّ العقل – في أثناء الحياة الزوجية – يعين كلا الطرفين على احتواء الخلافات والمشكلات الزوجية، فالعقل يمنح الإنسان الصبر والتحمّل، وبُعد النظر وعدم التسرع في الأحكام، وتجنب التهور في التصرُّفات والقرارات، كما أنّ العقل يؤهل كلا الزوجين ليصبح أكثر قدرة على حلّ المشكلات، وتجاوز المعوقات التي تعترض الحياة الزوجية، وتؤثر سلباً في السعادة الزوجية.
والعقل يساعد الإنسان على التحكم في ذاته، ويمنحه الحكمة ساعة الغضب، ويعينه على حسم الخلاف لصالح الحياة الأسرية، ويجعله يجنح للسلم والحل، ويتجنب التعنت، ويجنب الإنسان السلبية والانسحاب.. وذلك كلّه من الحكمة التي هي نعمة عظيمة من نعم الله وخيراته على عباده: (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الألْبَابِ) (البقرة/ 269).
ولقد اهتم الطبيب النفسي الأمريكي "جونجوتما" بقضية الخلافات الزوجية وحلولها، وأسفرت بحوثه عن بعض التوصيات للزوجين، مردُّها جميعها إلى العقل والعاطفة، وهي تجاوز الأمور التي تثير العراك والمشاجرة بين الزوجين، وحُسن الاستماع للطرف الآخر، وتفادي الوصول إلى مرحلة الانفجار، وتنقية النفس من الأفكار المسمومة.
2- العاطفة وحل الخلافات الزوجية:
لاشكّ أنّ كلاً منّا يمرُّ في حياته بمنعطفات وشدائد، فيحتاج وقتها إلى مَنْ يتعاطف معه ويؤازره، فإذا حدث ذلك من أحد الزوجين تجاه الآخر فإنّ تأثيره العاطفي يكون قوياً، بل قد تعجز كل الوسائل في حل الخلافات الزوجية، وتوصد الأبواب كلُّها في وجه المُصلحين، فيمر أحد الزوجين بمحنة أو شدة أم مرض، فيبادر شريكه بالفزع إليه وإغاثته، والوقوف بجانبه يؤازره ويساعده حتى يجتاز محنته، فتتحول المحنة إلى منحة، وكم من بيوت أصلح الله عزّ وجلّ حالها بسبب كهذا، فصدق فيها قول الله تعالى: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) (البقرة/ 216).
وثمّ نوع آخر من العاطفة بين الزوج وزوجته، هي العاطفة الخاصة، فإذا كانت هذه العاطفة بينهما إيجابية، وكان بينهما حب وثيق صادق، وكان كل منهما وفياً للآخر، حافظاً عهده، فإنّ ذلك سيكون له دور قوي في تجاوز أية خلافات زوجية، فالحبيب دائماً يتجاوز عن زلّات حبيبه، وما أشبه هذا الحب بالحصانة التي تحمي الحياة الزوجية من أية تصدعات وأمراض وخلافات!!
كما أنّ الاتزان العاطفي لدى كل من الزوجين – كما يقرر علماء النفس والصحة النفسية – يجعل كلا الزوجين قادراً على تثبيت العلاقة الحميمة بينه وبين شريكه، ويعين الزوجين على إنعاش هذه العلاقة، بل وتنميتها باستمرار، ويحقق قدراً كافياً من التفاهم بين الزوجين.
وللتغافل والتغافر النابعين من عاطفة زوجية قوية صادقة تأثير كبير في تجاوز الخلافات الزوجية وحلّها، وتجنبهما الخصام الطويل، الذي يهدد العلاقة الزوجية برمتها.
3- الجنس وحل الخلافات الزوجية:
الحاجة إلى الجنس فطرة طبيعية في الإنسان، تماماً كالحاجة إلى الطعام والشراب، لذلك نظمها الشرع، وجعل الزواج الشرعي تنفيساً لها، وطريقاً لإشباعها.
وفي أحايين كثيرة يغفل الزوجان أو يتغافلان أهمية هذا الأمر، برغم ما تشير إليه الدراسات الإجتماعية والأسرية من خطورته على الحياة الزوجية والأسرية، حيث تشير كثير من الدراسات إلى أنّ الجهل بأصول الجنس والعجز عن ممارسته يؤديان إلى الطلاق، لذلك فقد اهتم القرآن الكريم – كما اهتمت السنة المطهرة – بتوجيه الزوجين في هذا الشأن، فذلك أدعى إلى إيجاد حياة زوجية سعيدة مستقرة، كما اهتم الأطباء بهذا الشأن، وتحديد أنواع معيّنة من المأكولات والمشروبات التي تعين على تحقيق حياة جنسية سليمة بين الزوجين.
4- النجاح وحل الخلافات الأسرية:
نجاح أحد الزوجين في أي مجال من مجالات الحياة سيصبُّ في صالح الزوجين، وخاصة إذا اهتم أحد الزوجين بنجاح الآخر، وشجعه، وأظهر قدراته، فقد أكدت الدراسات أنّ هذا يدعم السعادة الزوجية، لأنّه يُشْعر الشريك الناجح بالتقدير والاحترام من قِبَل شريك حياته، ويمكن وصف نجاح الزوج أو الزوجة بأنّه الفيتامين الذي يغذي الحب، وبذلك يقي الحياة الزوجية من أي خطر يهددها.