شيع جثمان الشيخ عبد الرحمن الجيلالي عصر أمس بمقبرة سيدي امحمد، وسط جو مهيب، بعد أن ألقى عليه أفراد عائلته وأصدقاؤه من الأئمة والمثقفين وعامة الناس، النظرة الأخيرة بدار الإمام في المحمدية، حيث فارق الحياة صبيحة أمس بمستشفى عين طاية عن عمر يناهز 102 سنة.
عرف العلامة الراحل الشيخ عبد الرحمن الجيلالي بثقافته الدينية الواسعة، فكان فقيها عالما وملما بأمور الدين، ومؤرخا وأديبا ومفكرا سيظل خالدا حتى بعد أن وري التراب، وهو الذي ظل لأكثـر من 100 عام في رحاب القرآن، يضيء درب الجزائريين بنور الإسلام، وأضحت العائلات الجزائرية تنتظره ليطل عليها كل ليلة شك. وولد الشيخ عبد الرحمن الجيلالي سنة 1908 ببولوغين في الجزائر، يعود نسبه إلى آل الشجرة الموسوية القادرية وفروعها الأشراف القاطنين بسهول متيجة، وتصل سلالتهم إلى عبد القادر الجيلالي سليل الحسن السبط بن علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء بنت الرسول صلى الله عليه وسلم.
وكان العلامة الجيلالي واحدا من الذين تلقوا تعليمهم الديني من الجامع الكبير وجامع سيدي رمضان بالعاصمة، ومسجد ضريح سيدي عبد الرحمن الثعالبي، فخصها بدراسات معمقة، ركز فيها على فنياتها المعمارية والصناعية الدقيقة، كما قدم دراسات عميقة في حركة المجتمع الجزائري السياسية والعلمية، فأضحت كتاباته في هذا المجال مرجعا للباحثين والدارسين، لما تتمتع به من دقة وشمولية.
وتمدرس الراحل على يد عدة شيوخ بالمساجد والزوايا، ومنهم عبد الحليم بن سماية الذي كان من منتقدي النظام الاستعماري، رغم أنه كان أستاذا في إحدى المدارس الرسمية، كما تتلمذ الجيلالي على الشيخ المولود الزريبي الأزهري الذي كان مصلحا ثائرا. كما حرص على حضور حلقات الذكر التي كان يعقدها الشيخ بوقندورة مفتي المذهب المالكي بالعاصمة، بمسجد ضريح سيدي عبد الرحمان الثعالبي، فتكونت لديه ملكة معرفة الأزجال والموشحات الأندلسية، حتى أصبح خبيرا فيها، رغم أنها معقدة عروضيا.
والتحق الشيخ بالإذاعة الوطنية التي قدم فيها برامجه المجيبة على تساؤلات المستمعين الدينية، فاشتهر ببرنامج ''لكل سؤال جواب''، حتى أصبحت برامجه أسبوعية قارة يجد فيها المستمعون الإجابة عن تساؤلاتهم الدينية والدنوية على أساس شرعي معتدل. وقد ابتدأت برامجه تلك منذ سنة .1940
وأنتج الراحل عشرات الأعمال في مختلف الميادين الدينية، الأدبية، الفنية والتاريخية، حصل من خلالها على عدة أوسمة، وحاز عضوية المجلس الإسلامي الأعلى غداة الاستقلال في لجنة الفتوى التي كان يشرف عليها الشيخ أحمد حماني رحمه الله.
ونذكر من مؤلفاته كتاب تاريخ الجزائر العام، الذي يعتبر مرجعا لا يمكن لدارسي تاريخ الجزائر الاستغناء عنه، وهو الآن في جزئه التاسع، ومن كتبه أيضا كتاب تاريخ المدن الثلاث: الجزائر، المدية، مليانة، وكتاب خاص بذكرى العلامة الدكتور بن أبي شنب، وكتاب حول العملة الجزائرية في عهد الأمير عبد القادر، وكتاب ابن خلدون في الجزائر.
وكرم بتوصية من الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، من قبل جامعة الجزائر بمنحه شهادة دكتوراه فخرية.