ا
الفصل
الأولفي فضل
الأدب وأهله، وذم الجهل وحملهقال أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه: كفى بالعلم شرفاً أنه يدعيه من لا يحسنه
ويفرح إذا نسب إليه من ليس من أهله، وكفى بالجهل خمولاً، أنه يتبرأ منه من هو فيه
ويغضب إذا نسب إليه.
فنظم بعض المحدثين ذلك، فقال:
شَرَفاً لِلْعِلْمِ دَعْوَاهُ جَاهِـلٌ |
| وَيَفْرَحُ أَنْ يُدْعَى إِلْيهِ وَيُنْسَـبُ |
وَيَكْفِي خُمُولاً بِالْجَهالَةِ أَنَّـنِـي |
| أُرَاعُ مَتَى أُنْسَبْ إلَيْهَا وَأَغْضَبُ |
وقال رضي
الله عنه: قيمة كل إنسان ما يحسن، فنظمه شاعر وقال: لاَ يَكُونُ الْفَصِيحُ مِثْلَ الْعَـيَيِّ |
| لاَ وَلاَ ذُو الذَّكَاءِ مِثْلَ الْغَبِـيِّ |
قِيمَةُ الْمَرْءِ قَدْرُ مَا يُحْسِنُ الْمَرْ |
| ءُ قَضَاءٌ مِنَ الإمَـامِعَـلـيِّ |
وقال كرم الله وجهه: كل شيء يعز إذا نزر، ما خلا
العلم، فإنه يعز إذا غزر.
ومر عمر بن الخطاب رضي الله عنه على قوم يسيئون الرمي، فقرعهم، فقالوا: إنا قوم
"متعلمين"، فأعرض مغضباً، وقال: والله لخطؤكم في لسانكم، أشد علي من
خطئكم في رميكم.
سمعت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "رحم الله امرأ أصلح من
لسانه".
وروي أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما قرأ: "ونادوا يا مال
ليقض علينا ربك أنكر عليه ابن عباس. فقال علي: هذا من الترخيم في النداء فقال. ابن
عباس: ما أشغل أهل النار في النار عن الترخيم في النداء? فقال علي: صدقت.
فهذا يدل على تحقق الصحابة من النحو، وعلمهم به.
استأذن رجل على إبراهيم النخعي فقال: "أبا" عمران في الدار، فلم يجبه.
فقال: أبي عمران في الدار، فناداه: قل الثالثة وادخل.
وكان الحسن بن أبي الحسن يعثر لسانه بشيء من اللحن فيقول: استغفر الله. فقيل له
فيه: فقال: من أخطأ فيها فقد كذب على العرب، ومن كذب فقد عمل سوءاً، وقال الله
تعالى: "ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً
رحيماً".
وذكر أبو حيان في كتاب محاضرات العلماء: حدثنا القاضي أبو حامد أحمد بن بشر قال:
كان الفراء يوماً عند محمد ابن الحسن، فتذاكرا في الفقه والنحو، ففضل الفراء النحو
على الفقه، وفضل محمد بن الحسن الفقه على النحو، حتى قال الفراء: قل رجل أنعم
النظر في العربية، وأراد علماً غيره، إلا سهل عليه، فقال محمد بن الحسن: يا أبا
زكريا، قد أنعمت النظر في العربية، وأسألك عن باب من الفقه. فقال: هات على بركة
الله تعالى، فقال له: ما تقول في رجل صلى فسها في صلاته، وسجد سجدتي السهو، فسها
فيهما، فتفكر الفراء ساعة، ثم قال: لا شيء عليه. فقال له محمد: لِمَ? قال: لأن
التصغير عندنا ليس له تصغير، وإنما سجدتا السهو تمام الصلاة، وليس للتمام تمام.
فقال محمد بن الحسن: ما ظننت أن آدمياً يلد مثلك.